2020 مارس 12

كبار البائعين في سوق المال1

تظهر لنا البيانات أن معظم المتداولون الناجحون يكونون من المشترين أي يتداولون مع السوق و ليس ضده. نظام التداول هذا هو أكثر نظام مستخدم في سوق الأسهم و نتيجة لذلك فإن مديرين أكبر صناديق استثمار و المتداولين العاديين في السوق يبحثون دائما عن الأسهم المسعرة بأقل من قيمتها و التي إذا تم شرائها فإنها تحقق أرباحا كبيرة.
غير أنه ليس فقط في السوق الصاعد يمكن جني المال بل إنه في السوق الهابط أيضا يمكننا تحقيق الربح الوفير. هذا ما حدث بالضبط في فيلم "The Big Short". إلا أن التداول عكس السوق ليس مفهوم دائما لعامة الناس.

قصة الفيلم مبنية على كتاب يحمل نفس الاسم كتبه الكاتب الأمريكي و الصحفي المالي مايكل لويس و الذي قال أن الشرح فقط للمفاهيم العامة للناس ليس أمرا كافيا: المشاهدون يحتاجون أن يفهموها بشكل معمق. اهتم الفيلم بشكل خاص بالأسباب الاقتصادية الكلية التي أدت لحدوث أزمة الرهانات العقارية في سوق المال الأمريكي. و على الرغم من مدح صحفي فوربس ستيف دانين للدقة التاريخية للأحداث التي سردها الفيلم إلا أن الفيلم -مثله مثل الكتاب- لم يذكر من الرابح الأكبر من هذه الأزمة ألا و هو جون بولسون.

بولسون ليس المشهور الوحيد في صفوف البائعين أو الدببة. دعنا أولا نتذكر الأصل الذي أتي منه مصطلح "دببة". الأصل الأكثر شهرة هو أن الدببة-على عكس الثور الذي يهاجم أعدائه برفعهم على قرونه- ينقضون على أعدائهم برفع مخالبهم لأعلى و ضربهم لأسفل بهذه المخالب. من الممكن أيضا أن يكون أصل المُسمى مختلف. المؤرخ المالي الشهير E.Morgan يعتقد أن أصل كلمة "دببة" في سوق المال أتى من مصدر مختلف و يرجع هذا الأصل إلى القرن السابع عشر عندما نشأت البورصة لأول مرة في مقاهي لندن. بالرجوع لهذا التاريخ نرى أن عدد كبير باع أسهم لم يكن يملكها في الأساس فقد كان هؤلاء الأشخاص يبيعون فراء دب مازال حي طليق. (هذا الفراء اليوم هو بمثابة عقود المستقبليات و عقود الخيارات الثنائية).

إذن، كيف يمكن جني المال من بيع الفراء الذي لا تملكه؟

يشرح جون جوردون المحلل المالي بـNordFX "نظريا، يبدو كل شيء في غاية البساطة. لنفترض أنك تعتقد أن المعاطف المصنوع أحزمتها من فراء الدببة في طريقها إلى الانحدار في عالم الموضة، يمكنك أن تطلب من صديقا لك أن يعيرك معطفه ذو الحزام الفرو واعدا إياه أن ترجع له المعطف بعد ستة أشهر مثلا. عند حصولك على المعطف يمكنك بيعه و هو مازال محل طلب بثمن 1000$.
لنتوقف هنا للحظة: أنت لم تعد تملك المعطف ذو الحزام الفرو و لكن لديك 1000$ و عليك إرجاع المعطف لصديقك بعد ستة أشهر.

بعد ستة أشهر، لنفترض أن مناصري حقوق الحيوان فازوا بالأغلبية و أصبح ارتداء المعاطف المصنوعة من فراء الحيوانات ليس فقط قديم الذوق بل أيضا مكروه اجتماعيا. عند هذه النقطة يمكنك أن ترجع إلى السوق و أن تشتري معطف فرو جديد بـ 150$ ثم تُرجعه إلى صديقك معبرا له عن شكرك. لقد تم إغلاق هذه الصفقة و ربحت 850$."
يكمل جوردون "وفقا لهذا النظام يقوم البائعون أو الدببة بصفقاتهم في سوق المال و لكن بدلا من المعاطف الفرو يقترضون الأسهم و الأموال من البنوك و بدلا من كلمات الشكر فإنهم يدفعون لدائنيهم فائدة على حسب حجم صفقاتهم."

ربما أكبر عملية بيع حدثت في سوق الفوركس هي انهيار الجنية الإسترليني و التي قام بها جورج سورس عام 1992 عندما قام هو و صندوق استثماره Quantum Fund باستخدام أموال مقترضة لغمر السوق بالجنية الإسترليني بمبلغ قدره 15 مليار دولار.
كان الحافز لهذه العملية هو تصريح لرئيس الـبنك المركزي الألماني Helmut Schlesinger نقلته صحيفة وول ستريت جورنال قائلا أنه حتى بعد تقليل سعر الفائدة الألماني إلا أن عملة أو عملتين أوربيتين قد يتعرضوا لضغط كبير.

و كان هذا كل ما في الأمر. استنتج سورس و البعض في سوق المال أن إحدى هذه العملتين قد يكون الجنية الإسترليني و الذي كان سعره أعلى من قيمته الحقيقية في ذلك الوقت. أخذ سورس بشكل فوري في بيع كل الإسترليني الذي يملكه أو بمعني أصح الجنية الإسترليني الذي اقترضه. احتذى الكثير من المتداولين بسورس و قاموا بالشيء نفسه مما أجبر بنك إنجلترا على شراء هذا الكم المعروض من العملة لكي يحافظ على ثبات سعر صرف الإسترليني.

إلا أن جهود بنك إنجلترا باءت بالفشل و بسبب تسعير الإسترليني الذي نقله الصحفيون بشكل خاطئ أو في بعض الأحيان بسبب تسريب سورس تسعير خاطئ، هبط الإسترليني %15 مقابل المارك الألماني و %25 أمام الدولار و نتيجة لذلك قيمة الـ 15 مليار المكونة لرأس مال Quantum أصبحت 19 مليار و بعد بضعه أشهر أصبحت قيمتهم 22 مليار دولار.

أكد فعل سورس صحة قول مشهور بين المتداولين و هو "نحتاج المال لرفع الأسعار لكن الأسعار لا تحتاج إلا حجمها لكي تهبط."

كبار البائعين في سوق المال2

من المثير أن ما حدث في عهد حكومة جون ماجور لم يكن أول حدث في المملكة المتحدة تشهد فيه المملكة هجمة بيع. حدث موقف مماثل عام 1720 عندما بدأ سباق في الهبوط بسبب تبني البرلمان البريطاني لقانون Royal Exchange Act و الذي أدى إلى هبوط حاد في أسعار أسهم الكثير من الشركات. أدى ذلك إلى خسارة الكثير من رجال الأعمال و السياسيين و حتى أعضاء العائلة المالكة لأموالهم و أيضا إلى خسارة إسحاق نيوتن ثروة مقدارها 20000 إسترليني أي ما يعادل 2,5 مليون إسترليني حاليا مما أدى به لقول "أستطيع حساب حركة النجوم لكن لا أستطيع حساب جنون الناس!"

بالرجوع إلى دببة العصر الحديث لا يمكننا إغفال ذكر اسم Jim Chanos و الذي بدأ حياته المهنية كاسح ثليج ثم أصبح نائب مدير دويتش بنك قبل تأسيس صندوق استثمار خاص به اسمه Kynikos و هي كلمة يونانية تعني "المتهكم أو الساخر".
الاسم الساخر يتطابق تمام مع استراتيجية Chanos و التي تركز بشكل حصري على بيع أصول عدة. وصلت شهرة Kynikos ذروتها بعد انهيار شركة الطاقة الأمريكية إنرون. في عام 2014، راهن صندوق Chanos على هبوط أسعار النفط و هبوط المعادن الثمينة.

هناك دببة أخرون معروفون في سوق المال مثل Jesse Livermore و التي صدمت صفقات بيعه السريعة الأسواق مانحة إياه لقب "دب وول إستريت العظيم".
رئيس صندوق استثمار Centaurus و اسمه John Arnold هو أيضا دب مشهور ربح 317% من هبوط أسعار الغاز في صيف 2006 مما أدى إلى إفلاس منافسه Amaranth و الذي خسر حوالي 6$ مليار في أسبوع.
موقع SumZero معروف أنه أشهر دب في سوق المال و هناك أيضا Burt Ross من Wagamon Advisors و الذي قام بثلاث صفقات ناجحة منذ عام 2013 أكثرهم شهرة كان رهانة على هبوط أسهم Walter Energy: فخسرت الشركة 99.52% من قيمتها.

كما يوجد أيضا Ben Springer من (ٍSpruce Point Capital Management) و الذي كانت أربح صفقاته بيع أسهم شركة James River Coal و ربح 99.92%.

ثم ينهي جوردون كلامه "كما ترى، يمكن جني مال جيد  من هبوط السوق، و كما قال الملياردير اليوناني Aristotle Onassis للقيام بذلك عليك أن تعرف شيئا لا يعرفه الأخرون."


« مقالات مفيدة
تابعنا (على مواقع التواصل الإجتماعى)